الدكتور عادل صادق واحد من أكبر أساتذة الطب النفسى فى الشرق الأوسط، وهو فى الوقت ذاته يملك روح أديب حقيقى، تكشف عن ذاتها فى منطلقاته العلمية والفكرية، كما تعبر عن نفسها فى أسلوبه الذى يمتاز بغير قليل من الجمال الأدبى والبلاغة البيانية، ، وقد وقع بين يدى مجدداً كتابه الممتع "المرض النفسى"، وهو كتاب بالغ الإمتاع والفائدة فى آن معا، هو يقول فى إهدائه فى أولى صفحات الكتاب: " إلى أى إنسان فى أى مكان فى الأرض، كتب الله عليه المعاناة من الألم النفسى ليطهر نفسه، أو ليزيدها طهراً، أو ليزيد فهمه لمعنى الحياة، أو ليلهمه عملاً فنياً رائعاً، لم يكن ليبدعه لولا الألم الذى أكسبه نفاذاً وبصيرة".
إنه يلامس برفق فكرة الألم النبيل الملهم، في لغة ليست بلغة طبيب، إنما هى لغة أديب، يقبض على جوهر الأدب، ويمتلك فلسفة فكرية بينة، تزداد وضوحاً وسطوعاً حين يقول : "الحقيقة الراسخة أن الإنسان ذاته معنى، هناك معنى لخلقه، ومعنى لوجوده على الأرض، ومعنى لرحيله عنها، سلسلة من المعانى البليغة اختص بها الإنسان ليحقق معنى المعانى وهو الحب، ولهذا فللمرض معنى بل هو يؤكد معنى المعانى وهو أن أى خلل يصيب مقدرة الإنسان على الحب يزلزل كيانه ويمرضه، لأنه بذلك يخل بمعنى وجوده هو ذاته".
وحين يدخل الدكتور عادل صادق إلى ساحة المرض النفسى، فإنه يدخلها محملاً برؤية الأديب صاحب الفلسفة الإنسانية الخاصة، ها هو ذا يطرح أسئلة فرعية ذات معنى، فيقول: ما هو العقل؟ أين مكانه؟ ما حدوده التشريحية؟ مم يتكون؟ هل هو عضو كامن فى الجسد مثل القلب أو الرئة أو الكلى، ثم يشرع فى الإجابة عن هذه الأسئلة بأسلوب رشيق يسير جذاب يجمع العلم والأدب والفائدة والمتعة فى آن واحد.
هو يتحدث عن تصنيف الأمراض، ويتوقف أمام القلق النفسى والوسواس القهرى والهيستريا والاكتئاب والفصام والأمراض النفسجسمية، وغير ذلك من الأمراض ذات الطبيعة النفسية، وهو فى كل ذلك يمزج المعرفة العلمية بالمتعة الأدبية مزجاً رقيقاً راقياً، لأنه يؤمن بأن المعرفة هى الصحة النفسية فى كل صورها نور وقوة، وبأن النور والقوة كلاهما دعامتا الحرية، وبأن الحرية، وبأنه لا يتحقق أى معنى من هذه المعانى إلا بالحب، حب الإنسان لخالقه وحبه لنفسه، وحبه للناس.
إنه كتاب مفيد ممتع بكل ما تحمل الكلمتان من معان، وأحسب أن كل مبدع - فضلاً عن كل إنسان- بحاجة إلى أن يقرأه، آ وأن يطل على سيكولوجية المحبة، وسيكولوجية الإبداع.
تحية إلى روح هذا الطبيب العالم الأديب
----------------------
بقلم: السيد حسن
آ
